| لعنة الاستعمار |

(وجهة نظر)





   يعتقد الكثيرون أن الاستعمار هو استعمار بالسلاح واغتصاب للأرض والوطن من طرف غرباء أجانب فقط،وهو ما يجعل فهمهم مقتصرا على ذلك الشكل المادي الظاهر، جاهلين، ربما، باطن الأمور وخباياه السلبية التي تعد أكثر خطورة وأعسر فهما، لما تحمله من أسرار باطنية.
 ولعل المغرب يعد النموذج الأمثل للبرهنة على هذا التفكير، فقد استعمر مدة طويلة من طرف فرنسا وإسبانيا، وعانى مرارة الاحتلال وسفك الدماء ونهب خيرات البلد، لكنه رغم تحقيقه للاستقلال الترابي جزئيا، أقول جزئيا لأن بعض أراضيه لازالت مكبلة بقيود الاحتلال، فهو لم يحقق ولم ينل استقلالا تاما بمعناه الحقيقي، حيث لازال لغاية يومنا الحاضر مستعمرا في قرارة نفسه من عدة نواحي. فمن ينظر فقط إلى التحول السلبي الذي طرأ على الجانب الثقافي واللغوي خاصة، سيفطن بلا شك إلى هذا الجانب المظلم من حقيقة الاستقلال.
لو أخذنا مثلا الجانب اللغوي، لوجدناه مطموسا غابرا بأمر الاستعمار، حيث أصبحت كل الوثائق باللغة الفرنسية، فحتى المتعلم في معظم الأحيان يجد صعوبة في فهم مضامينها. بالإضافة إلى أن المحادثات والمعاملات هي الأخرى تحتاج إلى مترجم خاص يقوم بمهمة الترجمة، التي قد تكون صحيحة وقد تكون مجرد أكاذيب تحمل في نفسها مؤامرة واحتيال. فكيف يعقل الحديث عن الاستقلال في ظل الهيمنة اللغوية؟ وكيف يعقل أن تكون كل الوثائق بالفرنسية ونسبة كبيرة من المغاربة لا يعرفون حتى اللغة العربية؟ فالمتعلمون أنفسهم يجدون صعوبة في فهمها فما بالك بحال الأميين.
إن حديثي هذا لا يعني ألا نتعلم اللغات الأخرى، بل على العكس، فإن تعلمها ايجابي بامتياز وضروري لتحقيق التواصل الثقافي والإنساني. لكن ليس على حساب نفي اللغة الأم وتجاهلها وطمسها بطريقة يراها بعض المهتمين بالشأن اللغوي لا محل لها من الإعراب.
ولتأكيد المشكل اللغوي الذي يعانيه المغرب، فالأخذ بنموذج اللهجة المغربية ومستواها الدنيء كاف للدلالة على نتائج هذا الاستعمار. حيث أصبحنا اليوم نسمع كلاما غريبا اختلطت موازينه وكثرت أخطاءه، فأصبح نموذجا لا لغويا بل تخلفيا يضحك المارين. والأعظم من هذا، هو الوهم الذي يعيشه البعض، إذ يعتبرون الحديث باللغة الأجنبية تقدما وتحضرا، في حين أنها لا تتعدى استعراضا للعضلات ولفتا للانتباه.
إن كل هؤلاء الذين يرون في اللغات الأخرى تقدما، فنظرهم محدود عجز عن تجاوز المظاهر والشكليات، فالتزم حاشية التفكير الذي جعله مقتنعا منساقا نحو حافة اللا انتماء، ليقفل بذلك تاريخا صمد لملايين السنين وتحدى مصاعبا متنوعة لم تؤثر فيه ولم تخدش حتى جانبيه، لأنه وجد أناسا يحفظون ملح وجه اللغة ويصونون كرامتها بكل ما أوتوا من قوة وتفكير.

فعن أي استقلال نتحدث في ظل هذا الاستعمار؟ وهل يعقل الحديث عن رقي وتحضر بعيدا عن الهوية اللغوية ؟

0 comments :

إرسال تعليق