| الجيش المصري والسياسة... حلل وناقش |

الجيش المصري والسياسة... حلل وناقش




        لعل المتتبع لمجريات الأحداث في مصر العربية الشقيقة، سيفطن لفكرة مركزية هي أن مصر تسير إلى الهاوية نحو حرب أهلية دموية، ولن ينعدل حالها ما دام حكم الجيش موجودا. والسبب في ذلك هو المكانة التي حظي بها الجيش المصري على مر الزمن والعصور، انطلاقا من ثورة يوليو 1952 حيث لم يكن الجيش مجرد وسيلة للدفاع عن الوطن وحفظ السلم والأمان بل تجاوز ذلك إلى المشاركة السياسية، حتى أن جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم في مصر، كانوا منتمين للمؤسسة العسكرية. فكيف سيتقبلون رئيسا لا يمت أي صلة بالجانب العسكري ؟ وهو الشيء الذي شكل عقدة في نسفهم لن تنفك حتى يعيدوا صناعة أمجادهم.
فرغم إقرار العديد من المناصرين للمؤسسة العسكرية المصرية وللسيسي، بأن الجيش هو الضامن الوحيد للديمقراطية والأمان والاستقرار، إلا أن ما خفي كان أعظم. فالتاريخ بتفاصيله وحيثياته يؤكد بمرارة أن حكم الجيش لا يتوافق مع الديمقراطية، وذلك يعود لآلياته في الحكم من قمع وتضييق عن الحريات...
فمنذ انطلاق الثورات في مجموعة من الدول العربية، كان الجيش في قلب أحداثها، ولعل اللغة الوحيدة التي أجاد استعمالها هي لغة القوة والقمع والعنف المطلق. قاموس يسعى من جهة إلى إخماد هذه الاحتجاجات لحفظ الاستقرار و"الأمان"، ومن جهة أخرى لإسكات المتظاهرين وهتافاتهم المنددة بالنظام الحاكم، وذلك من خلال استعمال كل الوسائل الممكنة من غازات مسيلة للدموع أو خراطيش للمياه وفي الحد الأقصى رصاص حي ومدرعات.
لقد كنت ولزالت أستغرب طريقة تفكير هؤلاء الحكام، وكيف يطاوعهم الضمير للتفكير في إزهاق الأرواح وإراقة الدماء ! هل السلطة وحدها تدفعهم إلى اتخاذ هذه القرارات القاصية أم أنها أنانية وإحساس بالقوة دون مبالاة بأرواح البشر؟، أسئلة كثيرة تؤرق التفكير ولكنها ليست غرضنا الآن. فقد يقول البعض بأن الجيش لا يراعي المشاعر الإنسانية ولم يعتد الأخذ بعين الاعتبار الشكل السلمي والحواري في حل القضايا. إذن كيف يمكنه تسير دولة تعاني يوميا تحولات مفاجئة تحتاج للتأني في التفكير وحساب كل الاحتمالات ؟ فهل سيلجأ للعنف كل مرة يطلب فيها الشعب مطالبه الشرعية ؟، فبهذا الحساب سنكون أمام ديكتاتورية عسكرية. حينها لن يتسنى لأي كان فرصة التعبير حتى عن رأيه ولا السير في الشارع بحرية أو الدخول إلى المسجد ببساطة وذاتية، بل ستسود السيطرة المطلقة على كل شيء سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو حتى دينيا... وسينعم المواطنون بمشاعر الخوف والفزع، فيلاطفون جو العنف والقمع والتهديد.
ماذا سننتظر من جيش قتل بدم بارد وبمنتهى البساطة حوالي 300 شخص في حركة فض الاعتصام ؟ وماذا سننتظر من جيش ألف القصاوة والعنف من طبيعته المهنية ؟. بالطبع لن يفهم معنى الليونة والحوار ولا أسلوب النقاش واتخاذ القرار السلمي، بل لن ننتظر منه إلا العنف.
فقد كان من الممكن للجيش المصري الذي يدعي الحفاظ على أمن البلاد والمواطنين، أن يترك لأنصار الرئيس المنتخب فرصة للتعبير عن أنفسهم باعتبارهم مواطنين مصرين قبل كل شيء، والبحث معهم عن سبل إصلاح هذه الأزمة دون إراقة الدماء أو اللجوء إلى العنف. وكان الأجدر منذ البداية أن يحضروا الرئيس المنتخب، مرسي، ويشركوه في الحوار للبحث عن سبل الإصلاح والتوافق، في لقاء مباشر يضم كل التيارات في وقت واحد.
لكن في الواقع، الجيش لم يحتمل فكرة رئيس لا ينتمي للجيش، لهذا نجد مفارقة في تصريحاته المتوالية، فإذا كان حقيقة همه الحفاظ على السلام وتحقيق إرادة الشعب المصري، فأين كان في عهد مبارك حينما سفكت الدماء وقتل المواطن بأبشع الأساليب ؟ ولماذا لم ينقلب على مبارك ويقوم بعزله كما فعل مع مرسي ؟. بالطبع لم يكن ليحدث هذا، لأن مبارك عسكري قبل أن يكون رئيسا لمصر...


فحلل وناقش

0 comments :

إرسال تعليق