( وجهة نظر )
يبدوا في الآونة الأخيرة من هذا القرن 21 تنامي ظواهر غريبة تجاوزت المعهود من السلوكات والمعاملات الإنسانية المتخلقة، التي أصبحت عملة نادرة. وليس من الغريب في حاضرنا أن نجد تصرفات شاذة تفتقد لأدنى الشروط الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان، لهذا يطرح السؤال، ماذا أصاب هذا المجتمع ؟ وكيف طرأ عليه هذا التحول السلبي ؟
أسئلة كثيرة وعميقة تحتاج منا جهدا مضنيا في تتبع خيوط أسباب هذه الظواهر وتحليلها من عدة جوانب (سيكولوجية، اجتماعية...)، فرغم أن نسبة العثور على السبب الرئيس ضئيلة جدا إلا أنه لا بأس من محاولة التفكير في الأمر وتحديد نقطه العريضة. ليس من العجيب أن نجد برامح تلفزيونية أخذت تهتم بهذه المشاكل الاجتماعية، لأن البرنامج التلفزيوني مهنته نقل أخبار المجتمع ونبضه إلى الناس.
ومؤخرا أثار اهتمامي البرنامج الاجتماعي "قصة الناس" الذي يبث على قناة "ميدي 1"، حيث تفاجأت من عدة شهادات صادمة تُـظهر دناءة الإنسان في هذا الزمان ومستوى الوعي الذي تدنى وأخذ في الانجلاء. وهو الشيء الذي دعاني إلى التساؤل حول السبب في تردي هذا الحال، خاصة حينما استمعت إلى أحد حلقات هذا البرنامج الذي بث شهادات نسائية عانين مرارة الاحتقار والظلم ودناءة أزواجهن في زواجهن وطلاقهن. وبالرغم من إحساسي بالافتخار بفكرهن حين قلن مرارا وتكرارا "أنا عايشة غير لولادي وغنضحي من أجلهم"، لكنني شعرت في الآن نفسه بالأسف حين يرددنا عبارة موت حياتهن وأنهن أصبحن من الماضي الأليم.
انعدام الضمير
في لحظات متفاوتة من التفكير، تساءلت عن المنطق الذي يفكر به هؤلاء الرجال "الأزواج" الظالمين لجنس كرمه الله بأسمى عبارات الاحترام والتقدير موصيا بهن ومؤكدا على رعايتهن... وأوصى كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق بهن في أكثر المواضيع. بعبارة أخرى، لا يمكن تخيل هذا التصرف الهمجي الدنيء الذي يحمل في طياته قانون الغاب والهمج، وهو الذي لا يمكن رده لشيء إلا لمجتمع تدنت أخلاقه وكثر غباءه لدرجة انعدام الفكر والضمير.
وحديثنا عن الضمير، لا يلبث حتى يجذبنا إلى جلبة أخرى من النقاش، فإذا كان الضمير هو قدرة الإنسان على تحليل تصرفاته وأعماله والتمييز فيها بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل... ليؤدي بعد ذلك إلى الشعور إما بالندم حين تتعارض أفعاله مع قيمه، أو بالرضى عندما تتفق. فإن هذا الضمير قد أصبح معطلا ولا نبض يحييه أو يوقظه من جموده الإجباري، حتى أصبح حديثنا عنه مرتبطا بالأحلام والأماني والقصص القديمة أو الخيالية، حيث نجد الإنسان إنسانا بكل مواصفاته وسماته.
ولعل السبب وراء هذه المصيبة، هو غرق القلب في ظلمات الحياة والجهل وتنامي حس الغرور والأنا والخداع، بحيث أصبح صوت الأنا والشهوات أعلى مقاما من صوت الضمير، حتى أكاد أجزم بانعدامه وموته.
فحين تجد في العصر رجالا يضربون زوجاتهم ويغتصبون أحلامهن بكل احتقار،وتجد رجالا يعيدون صياغة قصة الديكتاتور المستبد بكل بحروفه، فيجب الإقرار بأن هناك خللا يشوب هذا المجتمع بكل أشكاله وأن هاجس التملك أصبح يتسلط على أفكارهم.
نماذج كارثية
ولنرى دناءة الوعي، فقد تحدثت مجموعة من النساء في ذات البرنامج السالف الذكر، عن هذا الواقع المؤلم بمرارة واكتئاب. فهذه امرأة يهينها زوجها بالضرب والسب والشتم، فيلاعب وجهها بلكمات قاصية تشوه معالمه الجميلة البريئة، وإن ذهبنا وراء السبب فسنجده غالبا "لاشيء". وهذه امرأة أخرى زوجها مدمن على مصيبة الدنيا "القرقوبي، وغيره..." فلا يلبي حاجيات أولاده ولا حتى أبسط إمكانيات الحياة... أي لا يبالي بحيات عائلته ولا يقوم بأدنى مسؤولياته.
لا يمكن الأخذ بأن المغرب هو البلد الوحيد الذي يمتلك نصيبا من هؤلاء "الرجال"، فالعالم كله (شمالا وجنوبا، شرقا وغربا) مليء بنماذج مختلفة ألوانها، لكنها تتفق في فكرة مركزية هو انعدام الضمير والإحساس.
فكرة نسائية بامتياز
من الجميل أن نجد فكرة رائعة لازالت تنبض وسط هذا الظلام الدامس، فكرة نسائية بامتياز يؤكدنها بكل شرف وشجاعة، وذلك من خلال قولهن "أنا أعيش من أجل أولادي". عبارة بسيطة التركيب والصياغة، لكنها تحمل معاني الإنسانية والمسؤولية التي تحلين بها. فرغم أن لهن نصيبا في فشل حياتهن، فهذا لا يعني أنهن مذنبات في الزواج، رابطة مقدسة لا يدخلها إلا من علم وتأكد من قدرته على تحمل المسؤولية والنضج أمام المواقف اليومية بكل عقلانية.
فالزواج ليس فقط عقد قران بين الرجل والمرأة، وإنما يتعدى ذلك إلى تأسيس أسرة متماسكة مستعدة لتحمل متاعب الحياة بكل صدق وصمود، واعين بمسؤوليتهم التربوية التي تمثل رسالتهم النبيلة في الحياة.
إن هذا لا يعني أن كل الرجال متشابهين ولا النساء كذلك، وكما يقول المثل "الإنسان طوب وحجر". فإن كان بعض الرجال، وهم قليلون، لا يفقهون معنى رجولتهم وإنسانيتهم، فإن أكثرهم يحترمون ويتحملون المسؤولية.
ولكي نعيد إصلاح هذا الوضع، فلابد من إعادة النظر في السلوكات المجتمعية التي أصبحت شائعة إلى حد كبير، سواء تعلق الأمر باللباس أو السلوك الممارس من طرف كلا الجنسين الذكر والأنثى. وتجاهل هذه الظواهر هو دعوة إلى تناميها وشيوعها المفرط داخل البيئة الاجتماعية سواء المغربية خاصة أو العربية عموما.
0 comments :
إرسال تعليق