| في مهب الريح |

(وجهة نظر)



      تعد الأخلاق ركيزة اجتماعية أساسية، بدونها لا وجود للعيش في كرامة ووقار، ولا وجود للمبدأ الإنساني الذي تأسست من خلاله الحياة وهو الاحترام. فالاحترام مبدأ من مبادئ الأخلاق الإنسانية التي تضمن العيش الآمن في هذه الحياة دون الخوف من أي شيء قد يعيق مشاريعك أو يحول دون تحقيق الهدف الأسمى في هذه الدنيا وهو الحياة.
من المسلم المطلق أن بين الأخلاق والحقوق الإنسانية رابطة قوية تجمعهما قرابة مفاهيمية وأخرى دنيوية، ولا يمكن نفي أو التنكر لهذه العلاقة. لكن حين يحرف تعريف المفهوم ويسود الخطأ في الفهم، قد لا نستطيع رؤية هذا التقارب والحدود التي تؤطر كل مفهوم، لهذا فإننا في عصرنا الحاضر نعاني مشكلا كبيرا في تحديد المفهوم وتأطيره. حيث أن هناك من يدعوا إلى الفساد والانحراف بدعوة الحق الإنساني، ملبسا إياه لباس الشرعية من خلال مبادئ يقولون أنها "كونية" تأسست في الغرب بقواعد غربية وعلى خلفيات معينة، ساعيين إلى تحقيق المستحيل بدعوة أنها حق.
ولعل المصيبة التي نالت من التحديد العقلاني للمفهوم سواء في بعده الفلسفي أو العام، هي مصيبة ظهور متطفلين نظروا إلى الوجود كلعبة دائمة تستحق العبث والتغيير اللا مشروط لمبادئ حياتية. ففي بعض الأحيان يخيل لي أن معظم هؤلاء قد عاشوا في حياة البذخ واللهو، وحين وجدوا أن حياتهم أصبحت مملة ولا تشبع لهوهم، نظروا إلى بعد جديد يفتح لهم باب لعبة جديدة بقوانين عديدة غير مشروطة. ولعلهم كانوا "ذكيين" حين أطروا مطالبهم داخل مفهوم عانى من الاحتكار والنبذ الكثير، فاختاروا إطار الحق وحقوق الإنسان لأنه سيظهر مطالبهم أكثر شرعية من أي إطار آخر فأصبغوها تعريفا يليق بمطالبهم ودعواتهم. مستندين بذلك على المعانات التي شهدها الحق الإنساني من الاحتقار والنكران "بفضل" الحكام المستبدين والطغاة والديكتاتوريين...
من المؤكد والذي لاشك فيه، أن هناك أشياء ايجابية تحققت بفضل بعض الحقوقيين الجادين، حيث حرروا الإنسان البسيط من الاستبداد والاحتقار، ولازال بعضهم يقوم بمبادرات فعالة تهم الإنسان كإنسان يعيش وسط مجتمع يشاركه تقاليدا وعادات... لكنه في الآن نفسه، هناك الكثير ممن يدعي دفاعه عن الحق، وهو في الأصل يدافع عن رغباته ومطالبه الخيالية التي تجاوزت حدود الأخلاق والكرامة الإنسانية. ولعل من نتائج هذه الموجة العكسية تتجسد في اللباس العاري الذي ترتديه بنات هذا الجيل، اللواتي أصبحنا كعارضات يظهرن محاسنهن وتفاصيل هيئتهن التي كانت مكرمة بأسمى عبارات التقدير والاحترام.
وليست الفتيات هن فقط من نال منهن هذا الموج العكسي، بل حتى بعض الفتيان أصبحوا في عبث متزايد قارب على خرق الحدود بشكل كلي، حيث أصبحوا يظهرون كل يوم في شكل غريب وبحلاقة أغرب وملابس تظهرهم في شكل هزلي...
فحتى العلاقات اليومية التي كانت تتسم بالجدية والمعقول، أصبحت في وادي النسيان بحضور جيل همه الوحيد هو اللهو مع بنات الناس والعبث مع قانون الحياة، فأصبح بعضهم يمتهن "الدوران والتجلويق" دون أي عمل يحفظ كرامته أمام نفسه والغير، في حين أن البعض الأخر رغم عمله الدؤوب في مهنة ما، لكن ما يكسبه في اليوم يأخذه لهو الليل وعبثه الدائم. وبالإضافة إلى هذا هناك نماذج عديدة يصعب حصرها في المقال.


فأنا لا أحاول احتقار أي فكرة كيفما كانت ولا لوم أي جهة على حساب الأخرى بأي شكل من الأشكال، لكنني أنتقد الوضع من فكرة شخصية تكونت بعد بحث وتجارب يومية، غيرة على المعنى السامي للحياة الذي افتقدنا مقوماته الجادة. ولعل تكاثر المصائب والدعوات الانحلالية من طرف أناس يدعون دفاعهم عن حقوق الإنسان، هو الدليل على المنحدر الخطير الذي تسير فيه الأخلاق.

0 comments :

إرسال تعليق