تقديم
:
قبل الولوج في ثنايا موضوعنا الذي يعدمحاولة لتصنيف و تحديد أقسام و أصناف الأصوات اللغوية .لا بد من أن نساير ما هو تقليديأي شرح للعنوان و تفسيره و إشكالية تقوده ثم العرض و تحليله و تعليق يفيده ومن تمخلاصة تشمله. فعلم الأصوات يدرس الأصوات اللغوية من حيث مخارجها و صفاتها و كيفيةصدورها,و يعرف أيضا بالصوتيات أو علم الصوتيات و هو فرع من فروع علم اللغة يدرس الأصواتمن حيث خصائصها المادية و يهتم بالانجازات و التحقيقات الصوتية للكلام من حيثطريقة التلفظ بها و لا تهتم بوظائف الأصوات و بدورها في اختلاف المعاني و الدلالات...الخ
إذا فما هي أقسام أو تصنيفات علم الأصوات ؟و ما أسس تقسيم كل تصنيف من الصوائت و الصوامت ؟ و ما الذي يميز الأصوات الصائتةعن الأصوات الصامتة ؟
لقد اتفق العلماء على أن أصواتاللغة تنقسم لقسمين أو لتصنيفين اثنين مشهورين و معروفين بالمصطلحين الأول هوالأصوات الصائتة Vowels و الثانيهو الأصوات الصامتة Consonants . و هذا التصنيف ينبني على معايير معنية تتعلق بطبيعةالأصوات وخواصها، ويلاحظ فيه أوضاع الأوتار الصوتية وطريقة مرور الهواء من الحلقوالفم، أو الأنف.
I. الأصواتالصامتة :
" و تسمىبالحروف عند علماء اللغة العربية , فهي تختلف من لغة إلى أخرى في عددها و صفاتهاالمميزة لها و لكن درجة الاختلاف هنا أقل من درجة الاختلاف بين اللغات في حالةالحركات "(1) فالأصوات الصامتة تتسم بوجود اعتراض للهواء عند خروجالصوت من الممر الصوتي من قِبَل أعضاء النطق سواء كانت هذه الإعاقة إما بالغلقالتام فتكون عندئذ الإعاقة تامة(مثل نطق صوت الباء و الذي يتميز بغلق تام للشفتين عندنطقه فتحدث الإعاقة الكاملة) وإما بالتضييق فتكون عندئذٍ الإعاقة غير تامة(مثل صوتالسين الذي يتسم بالتضييق الذي يحدث بين عضوي نطقه) .
تختلف أسس تقسيم الأصوات الصامتة باختلاف وجهات النظر وباختلاف الغرض. لكن في هدا العرض سنسير على قاعدة عامة تضبط منهجية دراسيةلتقسيمات الأصوات الصامتة وهي ثلاث فئات أو تقسيمات رئيسة هي : ● وضع الأوتار الصوتية ● المخارج و الأحياز ●كيفية مرور الهواء عندالنطق .
· أولا : وضع الأوتار الصوتية :
تنقسم الأصوات الصامتة إلى فئات بحسب ذبذبة الأوتار أوعدم ذبذبتها أتناء عميلة النطق لكن المهم من هذه العملية ثلاث :
1) قد ينفرج الوتران الصوتيان بعضهما عن بعض خلال عمليةمرور الهواء من الرئتين بحيث يسمحان له بالخروج دون أن يعترض طرقه أي شيء و من تملا يتذبذبان الوتران الصوتيان. فما يحدث في هده الحالة يمكن أن نصطلح عليه بالهمس( نقول هدا صوت مهموس و دلك ما ينتج عن غياب اهتزاز الوترين ) و الأصوات المهموسةفي اللغة العربية هي 12 صوتا :ت ث ح خ س ش ص ط ف ق ك هـ = 12 .
يقول سيبويه في تعريف المهموس "و أما المهموس فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه – و أنت تعرف ذلك إذااعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس .... "(2) .
2) قد يقترن الوتران الصوتيان بعضهما من بعض أثناءمرور الهواء و أثناء النطق فيضيق الفراغ في هده الحالة بينهما بحيث يسمح بمرورالهواء و لكن مع إحداث اهتزازات و ذبذبات سريعة منتظمة لهذه الأوتار. ففي هدهالحالة يحدث ما يسمى بالجهر ( نقول هذا صوت مجهور و ذلك ما ينتج عن اهتزاز الوترينالصوتيين أثناء النطق ببعض الأصوات ) و الأصوات الصامتة المجهورة كما ننطقها اليومفي لغتنا العربية هي : " ب ج د ذ ر ز ض ظ ع غ ل م ن و الواو في نحوولد و حوض و الياء في نحو يترك بيت = 15 " (3)
و قد أضاف علماء العربية الطاءو القاف و الهمزة إلى الأصوات المجهورة و أخرجوها من الأصوات المهموسة .وهذا الذيقالوا لا يوافق نطقنا الحالي لهذين الصوتين.(3)
ملاحظة : ينبغي أن يدرك القارئ أن المصلحين < جهر و همس> لا يعنيان بحال ما يفهم من دلالاتهما المعجمية و هي أن الجهر هو رفع الصوت أوإعلان القول و أن الهمس في الكلام هو خفاؤه فلا يكاد يسمع. لا بل إنما المعنى فيدراسة الأصوات أو في الاصطلاح الصوتي الدقيق هو مجرد ذبذبة الأوتار في حال الجهرأو انفراجها بحيث يسمح بمرور الهواء دون اعتراض في حالة الهمس.
3) قد ينطبق الوتران انطباقا تامافلا يسمح بمرور الهواء إلى الحلق مدة هذا الانطباق ومن ثم ينقطع النفس ثم يحدث أنينفرج هذان الوتران فيخرج صوت انفجاري نتيجة لاندفاع الهواء الذي كان محبوسا حالالانطباق التام. هذا الصوت هو همزة القطع. فهمزة القطع العربية إذن صوت صامت لا هوبالمهموس و لا هو بالمجهور.
"و ظاهرتا الجهر و الهمس لهما وجود ملحوظ في لغات أخرى كالانجليزية مثلا : مثلاالصوت [ b ] مجهور و نظيره [ p ] مهموس و كدالك الحال فيالصوتين [f ] و [ v ] "(4)
· ثانيا : المخارج و الأحياز :
تنقسم الأصوات الصامتة كذالك إلى مجموعات بحسب مخارجالنطق و أحيازه. و نقول < المخارج و الأحياز > لأن المخرج يعني النقطةالدقيقة التي يصدر منها الصوت و الحيز يعني المنطقة التي ينسب إليها صوت أو أكثرفتنعت به.فالحيز أوسع من المخرج و هدا الأمر نبهنا إليه شيخ العربية الأول الخليلبن أحمد.
ففي تقديمنا لمخارج أو أحياز الأصوات العربية ينبغي أولاقبل كل شيء أن نقرر منذ البدء أن الإشارة إلى موضع النطق بصيغة الإفراد لا تعني أنموضع النطق عضو واحد مثلا نقول : الراء صوت لثوي فهذا ليس معناه أن اللثة وحدها هيموضع النطق فاللسان شريك اللثة في هذه الحالة إذ أن طرفه يلتقي باللثة حين النطقبهذا الصوت.
فيما يخص الفئات الرئيسية للأصوات العربية حسب مواضعالنطق المختلفة هي:
– أصوات شفوية : و هي الباء و الميم ,بالإضافة الى الواو فكثيرا مايشار له على أنه صوت شفوي ( في نحو وعد ) و هذا ما سار عليه علماء العربية قديما.
– أسنانية شفوية : وهي الفاء .
– أسنانية : و هي الثاء و الذال و الظاء و هي أصوات ما بين الأسنان.
– أسنانية لثوية : و هي التاء و الدال و الضاد و الطاء و اللام و النون.
– لثوية : و هي الراء و الزاي و السين و الصاد.
– لثوية حنكية : و هي الجيم الفصيحة و الشين.
– وسط الحنك : وهي الياء .
من المهم أن نعلم أن بين الياء و الجيم و الشين قرباشديدا في المخرج حتى أن القدماء سموها بالأصوات الشجرية < نسبة إلى شجر الفم> .
– أقص الحنك : و هي الخاء و الغين و الكاف و الواو.
– لهوية : وهي القاف كما ننطقها اليوم في اللغة الفصيحة لا في اللهجاتالعامية.
– حلقية : و هي العين و الحاء .
– حنجرية : وهي الهمزة و الهاء .
هذه هي المخارج الأساسية للأصوات العربية الصامتة وهيأحد عشر مخرجا. أما علماء العربية قديما فاعتبروها ستة عشر مخرجا كما أتى على دلكأيضا ابن جني(5).
· ثالثا : من حيث كيفية مرور الهواء
هذا هو التقسيم الأخير للأصوات الصامتة و المعايير التيينبني عليها هذا القسم تتمثل في كيفية مرور الهواء من جهاز النطق عند إصدار صوتمعين. يرى الدارسون بأن تصنيف الأصوات من هذه الناحية إلى مجموعتين رئيسيتين سمواإحداهما بالوقفات Stops و الثانية بالممتدة Open .
×المجموعة الأولى :
تنتظم هذه المجموعة كل الأصوات التي يحدث في أثناء النطقبها وقوف الهواء وقوفا تاما في نقطة من نقاط النطق في الجهاز النطقي بدءا منالحنجرة حتى الشفاه.
فان صاحب هذه الوقفات انفجار مفاجئ سميت < وقفاتانفجارية > بمعنى خروج الهواء منفجرا فجأة و بسرعة مثال ذلك نجد فيها الحنجرةللهمزة , و اللهاة للقاف و أقص الحنك للكاف و الأسنان و اللثة للتاء و الطاء والدال و الضاد , و الشفتان للباء.
وان تسرب الهواء ببطء محدثا احتكاك سميت < وقفاتاحتكاكية > أو < الأصوات المركبة > و هو الأشهر مثال ذلك اللام و النون والراء ذات الصفة التكرارية .
× المجموعة الثانية :
تضم هذه المجموعة كل الصوامت التي يحدث في أثناء النطقبها أن يمر الهواء و يتسرب كليا أو جزئيا من منفذ من منافذ النطق و إن بصور مختلفةو من هنا كانت تسميتها في عمومها بالأصوات الممتدة .
فان مر الهواء في حال النطق من الفم من خلال منفذ ضيقنسبيا محدثا حفيفا أو احتكاكا مسموعا سميت الأصوات الصادرة حينئذ بالأصواتالاحتكاكية و مثالها في العربية الفاء و الثاء و الذال... الخ.وهذه الفئةالاحتكاكية تمثل الجانب الأكبر و الرئيسي من الأصوات
الممتدة.
II. الأصوات الصائتة :
يعرف ابن جني الحركة بـ " أنها تحركالحرف أي تقلقله "(6) أي أنها خاصية نطقية مرافقة للحركات طويلهاو قصيرها.
يقول د. كمال بشر "تمتاز الأصوات الصائتةعن غيرها بالخواص الآتية :
§أولا - مرور الهواء من الفم حرا طليقا في أثناء النطق بها دون عائق أو مانعيقطعه أو ينحو به منافذ أخرى كجانبي الفم أو الأنف أو دون تضييق لمجراه فيحدثاحتكاكا مسموعا...
§ثانيا – الحركات غالبا ما تكون جهورة في كل اللغات و ربما يقع بعضها مهموسافي بعض السياقات في بعض اللغات على ما يرى قوم من الدارسين و إن كنا لم نلحظ هذاالهمس للحركات في اللغة العربية.
§ ثالثا – الحركات أقوى الأصوات و وضوحا في السمع most sonorious نتيجة للخاصيتين السابقتين و الأولى من هما بوجه خاص."(7)
إذافهل للصوائت من معاير تضبطها و تقيها من التلف و التحريف و حفظا على دقتها ؟ هذا ولأسباب و دوافع أخرى دفعت برواد الدراسات الصوتية إلى البحث عن معايير عامة يسترشدبها الدارس في دراسة الحركات و تعلمها. وقد وصلوا بالفعل إلى طريقة فعالة و ثابتةو مقاييس معينة تجعل احتمال الخطأ ضيقا إلى أقصى حد ممكن فوضعوا هذه المعاير فيصورة ما سموه بـ"الحركات المعيارية."
· الحركات المعيارية: من أوائل من عنوابالحركات المعيارية الأستاذ دانيال جونز فقد بدأ عمله بأن نظر إلى عضوين مهمين كلالأهمية في تكوين الحركات هما : الشفاه و اللسان إذ هما العضوان الرئيسيان في تعديلشكل و مجرى الهواء الصاعد من الرئتين خلال الفم.
فقد نظر للسان باعتبارين اثنينهما :
1 – وضعه بالنسبة للحنك الأعلىمن حيث الارتفاع و الانخفاض.
2 – الجزء المعين من اللسانالذي يحدث فيه الارتفاع و الانخفاض.
و نظر للشفتين من حيث :● ضمهما ● انفراجهما ●و من حيث وضعهما في وضع محايد.
توصل جونز بهاتين النظريتين إلىوضع ثماني حركات معيارية ترسم بطريقة الكتابة الصوتية الدولية و هي كالأتي :
(1)=i (2)=e(3)=ε (4)=a (5)=α (6)=É (7)=o(8)=u .
أهم حركة هي [ ] و بذلك تكون الحركاتالمعيارية لتي ارتضاها جونز هي تسع حركات.
المعيارية رقم 1 = i : هي الصوت الذي يرتفع مقدم اللسان في حالة النطق بهاتجاه الحنك الأعلى إلى أقصى حد ممكن مع بقاء هذا الصوت حركة.
المعيارية رقم 5 = α : هي الصوت الذي ينخفض مؤخر اللسان في حال النطق به إلىأقصى حد ممكن مع رجوع هذا الجزء من اللسان إلى الخلف قدر الطاقة و مع بقاء الصوتحركة أي بحيث إذا تأخر اللسان أبعد من ذلك كانت النتيجة هي ظهور صوت أخر.
المعيارية رقم (2) و (3) و (4)وهي (a ε e) : فهي تكون مع الحركة رقم (1) مجموعة الحركات التيتسمى الحركات الأمامية ( نسبة إلى الجزء الأمامي من اللسان ) و يجب أن نلاحظ بأنهحين الانتقال من الحركة رقم (1) إلى (2) ثم من (2) إلى (3) و منها إلى (4) أن هذاالجزء الأمامي من اللسان ينخفض تدريجيا بنسب متقاربة حتى يهبط إلى قاع الفم بحيثيكون مستويات أيكاد, حال النطق بالحركة رقم (4).
الحركات رقم (6 و 7 و 8 )وهي [u o É] : تكون مع الحركة رقم (5)مجموعة أخرى من الحركات تسمى الحركات الخلفية نسبة إلى الجزء الخلفي من اللسان...
الحركة المعيارية (9) [ ]: فلا يرتفع اللسان معها منالخلف أو الأمام ارتفاع ملحوظا كما لا ينخفض معها انخفاضا كبيرا في قاع الفم,أي أنهذه الحركة لا تنسب إلى الجزء الأمامي و لا الخلفي من اللسان و إنما إلى وسطه لأنهالجزء المرتفع نسبيا حال النطق بها. و إليك رسما هندسيا يبين مواقع هذه الحركات وتدرجها من حيث الارتفاع و الانخفاض كما هو مبين في الشكل أدناه ...
يبين الشكل الأوضاع النسبية لأعلى جزء من اللسان حالالنطق بالحركات المعنية و قد أشير إلى هذه الأجزاء بالنقاط الكبيرة كما نرى فيالشكل أما المنطقة الوسطى كلها فهي منطقة الحركات المركزية....
خلاصة
من الواضح أن ما تجاهل البعض دراسته " أي التصنيفات الصوتية " يحمل في طياته جميل الشروح و أصعبها و كثير المفاهيم و أعمقها ومتعدد الأقسام و فروعها فرافقنا الحروف و الحركات بأفكار من الكلمات فكان أن خلصنابفكرة أن للصوامت و الصوائت أنماط و دراسات ... فما سبق من تحليل لهذه التصنيفاتالصوتية و الاقتباسات التي حاولت أن أستنبط كنهها و شرحها في بضع كلمات من أجلتوضيح و فهم موجز لتصنيفات الأصوات رغم صعوبة مجموعة من الصعوبات....
الهوامش
(1) د. كمال بشر – علمالأصوات – ص 173الفصل الخامس
(2) سيبويه الكتاب جـ 2 ص 405 – 406 طبعة بولاق سنة1316هـ - علم الأصوات نفس المصدر السابق ص 177 .
(3) د. كمال بشر– علم الأصوات – ص 155 الفصل السادس .
(4) نفس المصدر ص 156 .
(5) ابن جني في كتابه " سرصناعة الإعراب جـ 1 ص 52 – 53 "
(6) د. كمال بشر – علمالأصوات – ص 220 الفصل السابع.
(7) نفس المصدر ( بتصرف ) .
* الشكل من كتاب – علم الأصوات - د. كمال بشر
الــمــراجـع و الــمــصادر
v د. كمال بشر – علم الأصوات – طبعة 2000 - دار غريب للطباعة و النشر والتوزيع القاهرة .
v د. محمودالسعران – علم اللغة مقدمة للقارئ العربي – دار النهضة العربية بيروت.
v برنيل مالمبرج – علم الأصوات -
v مقرر تعليمي قديم للدراسات العربية – بدون عنوان و لاطبعة .
مراجع للاستئناس :
v د. ديزيره سقال – الصرف و علم الأصوات – الطبعة الأولى1996 - دار الصداقة العربية بيروت
v سليمان فياض –استخدامات الحروف العربية ( معجميا ,صوتيا ,صرفيا ,نحويا ,كتابيا ) – دار المريخالمملكة العربية السعودية.
v مواقع الكترونية : Wikipedia , Google
v منتديات الكترونية : - منتدى المعرفة ,- منتدى شبكة الفصيح لعلوم اللغةالعربية ,- منتدى الدكتور إيهاب عاطف عزت ( كلية التربية النوعية جامعة الزقازيق ),- منتدى القراءات القرآنية الأول.