إن الحديث عن موضوع الازدواج والتعدد اللغويين وعلاقتهما
بالتعليم، هو حديث عن الجدل الذي خلقه هذان المفهومان بين مؤيد ومعارض، واستنادا
على معطيات واستدلالات متباينة من بلد إلى آخر حسب خصوصياته.
فقبل عرض الآراء والنظر في علاقتهما بالتعليم، نجد أنفسنا أمام ضرورة النهج
التقليدي الذي يدعونا إلى تعريف هذين المفهومين، لكي نبسط أرضية النقاش والتحليل،
ولكننا نصطدم بتعريفات متعددة ومتناقضة أحيانا. فالتعدد اللغوي، باختصار كما عرفه
محمد الأوراغي في كتاب التعدد اللغوي انعكاساته على النسيج الاجتماعي، هو تعايش
لغات وطنية متباينة في بلد واحد، إما على سبيل التساوي إذا كانت جميعها لغات عالمة
كالألمانية والفرنسية والإيطالية في سويسرا، وإما على سبيل التفاضل بتواجد لغة
عالمة كالعربية والعامية كالسوناي زارما والتماشيق والتوبو في جنوب إفريقيا. أما
الازدواج اللغوي، فهي تعني أن يتواجد في البلد الواحد لغتان من نمطين مختلفين
كالعربية والفرنسية في الوسط أو العربية والإسبانية في شمال إفريقيا أو كالعربية
الفصحى والعامية...
فالتعدد اللغوي يعتبر أحد الخصائص المميزة للمجتمعات المعاصرة، لذلك نجد ضرورة
ملحة في تعلم اللغات لما لها من فوائد تواصلية، وأهمها الاطلاع على تجارب الغير
ومعتقداتهم والتعرف على إبداعاتهم في مجالات متعددة... فقد قيل قديما : تعلم لغة
الغير خير من جهلها، لأنها تمنحنا الثقة والأمان من خلال التعرف على الطرف الآخر
وما يحمل في جعبته من أفكار قيمة قد تفيدنا في الرقي بمجتمعنا ونقله إلى مستوى
أفضل عن طريق ترجمة دراساتهم وإبداعاتهم...
فلا نجد معارضين لهذا التعدد ولكن يمكن القول بأن المعارضين لا يتفقون مع
المكانة التي قد تحتلها لغة معينة، بحيث تصبح في مواجهة مع اللغة الرسمية للبلاد
خاصة في التعليم. ففي المغرب نجد عددا من الناشطين يرفضون الاهتمام المبالغ في
تدريس اللغة الأنجليزية والفرنسية خصوصا على حساب اللغة العربية، إذ نجد أن
اللغتين الأجنبيتين تسيران في مسار أفقي على عكس الثانية التي تعاني مرحلة حرجة في
التعليم.
أما الازدواج اللغوي فهو الأكثر انتشارا في بلدان العالم، وقد اعتبر
المهتمون أن تواجد اللغة العالمة بجانب اللغة العامية هو أمر طبيعي يصعب اقتلاعه،
لأن العامية أصبحت لغة التواصل اليومي لكل المغاربة في حين أن الفصحى ترتبط
بالمدرسة والتعليم فقط...
فقد اتجهت أصوات عديدة في الآونة الآخيرة إلى دعوة تطالب بجعل اللغة
العامية لغة للمدرسة، نظرا لأن الطفل يفهمها وعلى مقدرة للتواصل عن طريقها.
محاولين بذلك إضمار الفصحى بشكل تدريجي، وهو ما استنكره المهتمون واعتبروه مسخرة
يراد بها القضاء على الفصحى.
إن التعدد والازدواج اللغويين مرتبطين في الأساس بالتعليم، ولعله هو الإطار
الذي أثار هذا الجدل العميق من طرف اللسانيين واللغويين والمهتمين بالشأن التربوي التعليمي،
حتى أننا في قراءاتنا للمقالات والكتب التي تناولت هذا الموضوع نجد أنفسنا بين مد
وجزر.
لكننا، يمكن القول أن مسألة التعدد أقل جدلا بعكس الازدواج اللغوي، إذ نجد المهتمين
لا ينكرون الدور الذي يلعبه تعلم اللغات الأخرى، خاصة وأنها هي التي تنتج اليوم
المعرفة التي نحتاج إليها في مختلف المجالات "الصناعية والتكنولوجية والطبية والثقافية..."
ولكن الأمر الذي يعترضونه هو تبنيها على حساب لغتنا الوطنية الدستورية الضاربة في
القدم والزاخرة بقدراتها اللغوية والتراثية الهائلة.
في
حين نجد أن الازدواج اللغوي هو أكثر تعقيدا، وذلك بسبب الدعوات التي تسعى لجعل
اللغة العامية كبديل للغة الفصحى في التعليم، وهي دعوات حكمت على الفصحى بالعجز
والقصور والفشل في إنجاح العملية التعليمية التعلمية، محاولين بذلك تأكيد قدرة
العامية على النجاح في هذه المهمة رغم افتقارها. في حين أن مسألة فشل التعليم هنا،
لا تتعلق باللغة الفصحى وإنما بأمور أكثر تعقيدا كـ " المناهج والوسائل
المسخرة لذلك وأيضا الكفاءة المهنية للمدرس...".
0 comments :
إرسال تعليق